كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<فائدة> أخرج الخطيب عن علي أنه قيل له‏:‏ لم سمي الدرهم درهماً والدينار ديناراً فقال أما الدرهم فسمي دارهم وأما الدينار فضربه المجوس فسميته ديناراً‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ من حديث حبيب بن عبيد ‏(‏عن المقدام‏)‏ بن معد يكرب قال حبيب رأيت المقدام في السوق وجارية له تبيع لبناً وهو جالس يقبض الدراهم فقيل له فيه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره هكذا ورد من عدة طرق قال الهيتمي ومدار طرقه كلها على أبي بكر بن أبي مريم وقد اختلط‏.‏

813 - ‏(‏إذا كان اثنان يتناجيان‏)‏ أي يتحادثان سراً ‏(‏فلا تدخل‏)‏ أنت وجوباً ‏(‏بينهما‏)‏ أي لا تشاركهما فيما أسرا به ولا تصغ إليهما زاد في رواية أحمد إلا بإذنهما وعلله في خبر أبي يعلى بأنه يؤذي المؤمن والله يكره أذى المؤمن‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ تاريخه عن ابن عمر وله شواهد‏.‏

814 - ‏(‏إذا كان أحدكم فقيراً‏)‏ أي لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من كفايته ‏(‏فليبدأ بنفسه‏)‏ أي يقدمها بالإنفاق عليها مما أتاه الله كما مر ‏(‏فإن كان فضل‏)‏ أي بسكون الضاد‏:‏ أي شيء زائد بأن فضل بعد كفايته زيادة ‏(‏فعلى عياله‏)‏ أي الذين يعولهم وتلزمه نفقتهم ‏(‏فإن كان فضل فعلى ذي قرابته‏)‏ من أصوله وفروعه وذي رحمه يقدم الأقرب فالأقرب، والأحوج فالأحوج ‏(‏فإن كان فضل فهاهنا وهاهنا‏)‏ كناية عن الإنفاق في وجوه الخير المعبر عنه في رواية باليمين والشمال‏.‏ قال النووي‏:‏ إن الابتداء في النفقة على هذا الترتيب وأن الحقوق إذا تزاحمت قدم الآكد فالآكد وأن الأفضل في صدقة التطوع في تنويعها في جهات البر بالمصلحة‏.‏

- ‏(‏حم م د ن عن جابر‏)‏ ابن عبد الله‏.‏

815 - ‏(‏إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق‏)‏ أي لا يسقط البصاق ‏(‏قبل وجهه‏)‏ أي جهته بل يساره أو تحت قدمه لا عن يمينه للنهي عنه كما مر ‏(‏فإن الله قبل وجهه‏)‏ أي فإن قبلة الله أو عظمته أو ثوابه أو رضاه مقابل وجهه ‏(‏إذا صلى‏)‏ فلا يقابل هذه الجهة بالبصاق سواء كان بمسجد أو خارجه لأنه يعد استخفافاً بها وهذا من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه سبحانه وخص الإمام من بين الجهات الست إشعاراً بشرف المقصد قال في المطامح وهذا تنبيه على وجوب الأدب ‏[‏ص 427‏]‏ والتزام شرط الجلوس على بساط الملوك فنبه علي أن المصلي واقف بين يدي ربه فحق عليه أن يلتزم الأدب في قوله وفعله وحركاته وخطراته قال ابن حجر‏:‏ وفيه أن بصاق المصلي للقبلة حرام ولو في غير المسجد انتهى وليس هذا الحكم في مذهبه بمعمول به‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق ن عن ابن عمر‏)‏ قال رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بصاقاً في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فذكره‏.‏

816 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة‏)‏ خصه لكونه يوم ظهور سؤدده ‏(‏كنت إمام النبيين‏)‏ بكسر الهمزة قال القاضي‏:‏ كالتوربشتي ولم يصب من فتحها ونصبه على الظرفية وذلك لأنه لما كان أفضل الأولين والأخريين كان إمامهم فهم به مقتدون وتحت لوائه داخلون ‏(‏وخطيبهم‏)‏ بما يفتح الله عليه من المحامد التي لم يحمده بها أحد قبله فهو المتكلم بين الناس إذا سكتوا عن الاعتذار فيعتذر لهم عند ربهم فيطلق اللسان بالثناء على الله بما هو أهله ولم يؤذن لأحد في التكلم غيره ‏(‏وصاحب شفاعتهم‏)‏ أي الشفاعة العامة بينهم أو صاحب الشفاعة لهم ذكره الرافعي في تاريخ قزوين ‏(‏غير فخر‏)‏ أي لا أقول ذلك تفاخراً به وادعاءاً للعظمة بل اعتداداً بفضله وتحدثاً بنعمته إذ المراد لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة ومنحني هذه المنحة فهو إعلام بما خفي من حاله على منوال قول يوسف ‏{‏احعلني على خزائن الأرض‏}‏ وكان في أول الحديث تامة بمعنى وجد ويوم القيامة بالرفع فاعلها وكان الثانية ناقصة والتاء اسمها وإمام خبرها وغير فخر منصوب على الحال‏.‏

- ‏(‏حم ت ك ه عن أبيّ‏)‏ بن كعب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي‏.‏

817 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة نودي‏)‏ أي أمر الله منادياً ينادي ‏(‏أين أبناء الستين‏)‏ أي أبناء الستين الكائنون في أي مكان وفائدة السؤال عنهم أنهم بلغوا العمر الذي أعذرهم الله أي أقام عليهم الحجة فيه لبيان اللوم المأخوذ من قوله ‏(‏وهو العمر الذي قال الله تعالى أولم‏)‏ استفهام تقريع ‏(‏نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر‏)‏ أي عمرناكم عمراً اتعظ العاقل الذي شأنه أن يتعظ فيه وقد أحسن الله إلى عبد بلغه ستين ليتوب عن ذنبه ويقبل بالعمل الصالح على ربه وهو غاية الإمهال فعدم الإقبال حينئذ إهمال ومع ذلك لو بلغ ضعفها ثم أقبل على ربه قبله وإعذار الحكام ثلاثة أيام واعذار حاكم االحكام من الستين إلى مثلها‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏طب هب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي فيه إبراهيم بن الفضل المخزومي قال الذهبي في المهذب هو واه‏.‏

818 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد‏)‏ بأمر الله تعالى ‏(‏لا يرفعن‏)‏ بنون التوكيد الثقيلة أحد من هذه الأمة المحمدية ‏(‏كتابه‏)‏ أي كتاب حسناته ‏(‏قبل أبي بكر وعمر‏)‏ تنويهاً بفضلها على رؤوس الأشهاد وتشهيداً بالفخامة بين العباد وتنزيهاً لهما في طول الوقوف وقد ثبت في الصحيح أن هذه الأمة سابقة يومئذ في كل شيء ومنه رفع كتبها فيلزم أن كتابهما مقدم في الرفع على جميع الأمم غير الأنبياء‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن عبد الرحمن بن عوف‏)‏ قال في الأصل وفيه ‏[‏ص 428‏]‏ الفضل بن جبير الوراق عن داود بن الزبير قال تركه أبو داود وقال الجوزقاني كذاب وقال البخاري مقارب‏.‏

819 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده‏)‏ يجوز أن يراد به واحد وأن يراد به المتعدد ‏(‏فيقف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله‏)‏ من أي جهة اكتسبه وفي أي شيء أنفقه نبه به على أنه كما يجب على العبد رعاية حقوق الله في ماله بالإنفاق يلزمه رعاية حقوق الله في بدنه ببذله المعونة للخلق بالشفاعة وغيرها فكما يسأله الله عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه يسأله عن تقصيره في جاهه وبخله به فإذا رأينا عالماً أو صالحاً يتردد للحكام لا يبادر بالإنكار بل يتأمل إن كان لمحض نفع العباد وكشف الضر عنهم مع الزهد واليأس فيما في أيديهم والتعزيز بعز الإيمان وأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر فلا حرج عليه لأنه من المحسنين وما على المحسنين من سبيل، قال الغزالي‏:‏ والجاه معناه ملك القلوب بطلب محل فيها للتوصل إلى الاستعانة للفرض وكل من لم يقدر على القيام بنفسه في جميع حاجاته وافتقر لمن يخدمه افتقر إلى جاه في قلب خادمه إذ لو لم يكن له عنده قدر لم يقم بخدمته فقيام القدر في القلوب هو الجاه وهذا له أول قريب لكن يتمادى إلى هاوية لا عمق لها ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وإنما الحمل في القلوب لجلب نفع أو دفع ضر فالنفع يغني عنه المال والدفع يحتاج إلى الجاه وقدر الحاجة لا ينضبط والخائض في طلب الجاه سالك طريق الهلاك والاشتغال بالتدين والتعبد يمهد له في القلوب ما يدفع به الأذى فلا رخصة في طلبه لأن له ضراوة كضراوة الخمر بل أشد ولذلك يسأل الله تعالى عنه وقال في موضع آخر حقيقة الجاه ملك القلوب فمالكها يتوسل بها إلى المقاصد كمالك المال يتوسل به إليها بل المال أحدها والجاه قوت الأرواح الطالبة الاستعلاء ومن ابتلي بحب الجاه جره إلى الرياء والنفاق ولا يقوم بحق الجاه على الوجه الشرعي إلا الأفراد ولهذا كان مسؤولاً عنه وعلاجه مركب من علم وعمل فالعلم أن يتأمل أن آخر أمره الموت ويجعله نصب عينه والعمل أن يتخذ العزلة إلا لضرورة المعيشة وما لا بد له منه كالقليل من المال لا محذور في طلبه فإذاً في الجاه سم ودرياق فهو كالمال ‏(‏تمام‏)‏ في فوائده‏.‏

- ‏(‏خط عن ابن عمر‏)‏ قال مخرجه الخطيب حديث غريب جداً لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به أحمد بن خليد ولا يثبت عن النبي بوجه من الوجوه انتهى وقال ابن عدي حديث لا أصل له ورواه أيضاً باللفظ المزبور عن ابن عمر والطبراني في الصغير قال الهيتمي وفيه يوسف بن يونس الأقطش ضعيف وحكم ابن الجوزي بوضعه‏.‏

820 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل‏)‏ يعني إنسان ولو أنثى أو خنثى ‏(‏من هذه الأمة‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏رجلاً‏)‏ يعني إنساناً ‏(‏من الكفار فيقال له هذا فداؤك من النار‏)‏ فيورث الكافر مقعد المؤمن من النار بكفره ويورث المؤمن مقعد الكافر من الجنة بايمانه إذ كل مكلف له مقعد في الجنة ومقعد في النار قال القرطبي‏:‏ وظاهر هذه الأحاديث الإطلاق وليست كذلك وإنما هي في أناس مذنبين يتفضل الله عليهم بمغفرته فأعطى كل واحد منهم فكاكاً من النار كما يدل له خبر مسلم يجئ يوم القيامة أناس من المؤمنين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى‏.‏

- ‏(‏م عن أبي موسى‏)‏ الأشعري‏.‏

821 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى كل مؤمن ملكاً معه كافر فيقول الملك للمؤمن يا مؤمن هاك هذا الكافر فهذا فداؤك من النار‏)‏ أي فكاكك منها به يعني كان لك منزل في النار لو كنت استحقيته دخلت فيه فلما استحقه هذا الكافر ‏[‏ص 429‏]‏ صار كالفكاك لك من النار لأنك نجوت منه وتعين الكافر له فألقه في النار فداءك‏.‏

- ‏(‏طب ك في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رمز لحسنه‏.‏

822 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد‏)‏ أي من الملائكة، ونكره للتعظيم وزاده تبجيلاً بقوله ‏(‏من وراء الحجب‏)‏ أي بحيث لا يبصره أهل الموقف ‏(‏يا أهل الجمع‏)‏ أي يا أهل الموقف الذي اجتمع فيه الأولون والآخرون ‏(‏غضوا أبصاركم‏)‏ نكسوها ‏(‏عن فاطمة بنت محمد حتى تمر‏)‏ أي تذهب وتجوز إلى الجنة فتمر في سبعين ألف جارية من الحور كمر البرق وأهل الجمع هم أهل المحشر الذي يجمع فيه الأولون والآخرون والقصد بذلك إظهار شرفها ونشر فضلها بين الخلائق فلا إيذان فيه بكونها سافرة كما قد يتوهم من الأمر بالغض ولا ينافيه ‏{‏لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه‏}‏ لأن القصد إسماعهم شرفها وإن كانوا في شاغل ‏(‏تمام‏)‏ في فوائده عن خيثمة بن سليمان عن إبراهيم بن عبد الله الكوفي عن العباس بن الوليد عن خالد الواسطي عن بيان عن الشعبي عن أبي جحيفة عن علي قال ابن الجوزي موضوع العباس كذبه الدارقطني ‏(‏ك‏)‏ عن أبي بكر بن عياش وأبو بكر بن أبي دارم وأبي العباس بن يعقوب عن إبراهيم العبسي عن العباس بن الوليد عن خالد الواسطي فمن فوقه ممن ذكر ‏(‏عن علي‏)‏ صححه الحاكم وقال على شرط مسلم فقال الذهبي لا والله بل موضوع والعباس راويه قال الدارقطني كذاب انتهى وأورده في الميزان في ترجمته وقال هذا من أباطيله ومصائبه وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف فلم يأت بشيء سوى أن له شاهداً‏.‏

823 - ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عمل عملاً لغير الله فليطلب‏)‏ أمر تهديد ووعيد ‏(‏ثوابه ممن عمله له‏)‏ أي يأمر الله بعض ملائكته أن ينادي في الموقف بذلك أو يجعلهم خلفاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل حقيقة أو يقوله رب العزة وتسمعه ملائكته فيتحدثون به أو يلهمهم ذلك فيحدثوا نفوسهم به وفيه حجة لمن ذهب إلى أن نحو الرياء يحبط العمل وإن قل ولا يعتبر غلبة الباعث‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في طبقاته ‏(‏عن أبي سعيد بن أبي فضالة‏)‏ بفتح الفاء المعجمة الخفيفة الأنصاري قال في التقريب صحابي له حديث ورواه أيضاً الترمذي في التفسير وابن ماجه في الزهد بلفظ إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك انتهى‏.‏

824 - ‏(‏إذا كانت الفتنة‏)‏ أي الاختلاف والحروب واقعة ‏(‏بين‏)‏ طائفتين أو أكثر من ‏(‏المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب‏)‏ أي من شيء لا ينتفع به ولا يقطع فهو كناية عن العزلة والكف عن القتال والانجماع عن الفريقين‏.‏ قال الطبري‏:‏ هذا في فتنة نهينا عن القتال فيها وأمرنا بكف الأيدي والهرب منها إذ لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين طائفتين من المسلمين الهرب منه وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ووجد أهل الشقاق والنفاق سبيلاً إلى استحلال ما حرم من أموال الناس وسفك دمائهم بأن يتحزنوا عليهم ونكف أيدينا عنهم ونقول هذه فتنة فما نقاتل فيها وذلك مخالف لخبر خذوا على أيدي سفهائكم فتعين أن محل الأمر بالكف إذا كان القتال على الدنيا أو لإتباع الهوى أو عصبية‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ وكذا الترمذي ‏(‏عن أهبان‏)‏ بضم فسكون ويقال وهمان بن صيفي الغفاري الصحابي روى حديثاً واحداً وهو هذا وحسنه الترمذي وتبعه المصنف وسببه أنه دخل عليه علي بالبصرة وسأله الإعانة فقال لجاريته ‏[‏ص 430‏]‏ أخرجي سيفي فاذا هو خشب فقال إن ابن عمك عهد إلي فقال فذكره وهو الذي كلمه الذئب وقيل غيره وقال ابن حجر روى الطبراني أن أهبان لما احتضر أوصى أن يكفن في ثوبين فكفن في ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثالث على السرير‏.‏

825 - ‏(‏إذا كانت أمراؤكم‏)‏ أي ولاة أموركم ‏(‏خياركم‏)‏ أي أقومكم على الاستقامة وتحرى طريق العدل والبذل ‏(‏وأغنياؤكم سمحاءكم‏)‏ أي كرماءكم وأكثركم جوداً وتوسعة على المحتاج ومساهلة في التعامل وعدم الالتفات إلى التافهات ‏(‏وأموركم‏)‏ أي شؤونكم ‏(‏شورى بينكم‏)‏ لا يستأثر أحد بشيء دون غيره ولا يستبد برأي ‏(‏فظهر الأرض خير لكم من بطنها‏)‏ يعني الحياة خير لكم من الموت لسهولة إقامة الأوامر واجتناب المناهي وفعل الخير فتزداد حسناتكم ‏(‏وإذا كانت أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم‏)‏ مفوضة ‏(‏إلى نسائكم‏)‏ فلا تصدرون إلا عن رأيهن ‏(‏فبطن الأرض خير لكم من ظهرها‏)‏ أي فالموت خير لكم من الحياة لأن الإخلال بالشريعة وإهمال إقامة نواميس العدل يخل بنظام العالم وحب الاستثار بالمال يفرق الكلمة ويشتت الآراء ويهيج الحروب والفتن وممالأة الكفار على المسلمين وإفشاء الأسرار إليهم وذلك يجر إلى فساد عريض فلا حرج في تمني الموت حينئذ‏.‏

- ‏(‏ت عن أبي هريرة‏)‏ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مت فظهر الأرض خير لكم أم بطنها قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم فذكره قال الترمذي غريب لانعرفه إلا من حديث صالح المري وله غرائب لا يتابع عليها‏.‏

826 - ‏(‏إذا كانت عند رجل امرأتان‏)‏ أي زوجتان أو أكثر ‏(‏فلم يعدل بينهما‏)‏ أو بينهن في القسم ‏(‏جاء‏)‏ أي حشر ‏(‏يوم القيامة وشقه‏)‏ بكسر أوله نصفه وجانبه ‏(‏ساقط‏)‏ أي ذاهب أو أشل ولفظ رواية الترمذي فيما وقفت عليه من النسخ مائل قال ابن العربي يعني به كفة الميزان فترجح كف الخسران على كفة الخير إلا أن يتداركه الله بلطفه انتهى وعلى ما هو المتبادر من الحمل على الحقيقة فحكمته أن النساء لما كانت شقائق الرجال وكانت الزوجة نفس الرجل ومسكنه ولباسه وعطل واحدة من بينهن جوزي بتعطيل نصفه وفيه مافيه للزوم تعطيل ربعه لواحدة من أربع وثلاثة أرباعه لثلاثة فالأول أظهر فعدم العدل بينهن حرام فيجب القسم للعدد ولو لنحو رتقاء وقرناء وحائض ونفساء ومجنونة لا يخافها ومحرمة وصغيرة لا تشتهى إلا لناشزة أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه وتمنعه التمتع بلا عذر أو تغلق الباب دونه ولا يلزمه التسوية في الاستمتاع كالجماع لتعلقه بالميل القهري‏.‏

- ‏(‏ت ك عن أبي هريرة‏)‏ بل رواه الأربعة جميعاً قال عبد الحق خبر ثابت قال ابن حجر لكن علته أن هماماً تفرد به وأن هشاماً رواه عن قتادة فقال كان يقال كذا ذكره في تخريج الرافعي لكنه في تخريج الهداية قال رجاله ثقات‏.‏

827 - ‏(‏إذا كانوا‏)‏ أي المتصاحبون ‏(‏ثلاثة‏)‏ بنصبه خبر كان وبرفعه على لغة أكلوني البراغيث وكان تامة ‏(‏فلا يتناجى‏)‏ بألف مقصورة ثابتة خطاً بصورة ياء أي لا يتكلم سراً والتناجي المكالمة سراً ‏(‏اثنان دون الثالث‏)‏ لأنه يوقع الرعب في قلبه وفيه مخالفة لما توجبه الصحبة من الألفة والأنس وعدم التنافر ومن ثم قيل إذا ساررت في مجلس فإنك في أهله متهم، وتخصيص النهي بما كان في صدر الإسلام حين كان المنافقون يتناجون دون المؤمنين‏:‏ وهم إذ لو كانوا ‏[‏ص 431‏]‏ كذلك لم يكن للتقيد بالعدد معنى وتقييده بالسفر والمواطن التي لا يأمن المرء فيها على نفسه لا دليل عليه ومخالف للسياق بلا موجوب ولا حجة لزاعمه في مشاورة المصطفى صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عند أزواجه لأن علة النهي إيقاع الرعب والمصطفى صلى الله عليه وسلم لا يتهمه أحد على نفسه والنهي للتحريم عند الجمهور فيحرم تناجي اثنين دون الثالث أي بغير إذنه إلا لحاجة‏.‏ وقال في الرياض‏:‏ وفي معناه ما لو تحدثا بلسان لا يفهمه‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق عن ابن عمر‏)‏ ورواه أيضاً عنه أبو داود وقال قال أبو صالح قلت لابن عمر فالأربعة قال لا يضر‏.‏

828 - ‏(‏إذا كانوا ثلاثة‏)‏ في سفر أو غيره ‏(‏فليؤمهم أحدهم‏)‏ أي يصلي بهم إماماً ‏(‏وأحقهم بالإمامة أقرؤهم‏)‏ أي أفقههم لأن الأقرأ إذ ذاك كان هو الأفقه بدليل تقديم المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه مع نصه على أن غيره أقرأ منه هذا ما عليه الشافعية وأخذ الحنفية بظاهره فقدموا الأقرأ على الأفقه ثم هذا لا ينافي أن أقل الجماعة اثنان لأن ماهنا في أقل الكمال‏.‏

- ‏(‏حم م عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

829 - ‏(‏إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم‏)‏ ندباً ‏(‏أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ أي هو أحقهم بالإمامة ‏(‏فإن كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سناً‏)‏ وفي رواية مسلم إسلاماً قال النووي معناه إذا استويا في الفقه ورجح أحدهما بتقدم الإسلام أو بكبر سنه قدم لأنها فضيلة يرجح بها ‏(‏فإن كانوا في السن سواء فأحسنهم وجهاً‏)‏ أي صورة ويقدم عليه وعند الشافعية الأنسب فالأسبق هجرة فالأحسن ذكراً عند الناس فلأنظف بدناً ولباساً وصنعة فالأحسن صوتاً وعند الاستواء في الكل يقرع‏.‏

- ‏(‏هق عن أبي زيد‏)‏ عمرو بن أحطب ‏(‏الأنصاري‏)‏ وفيه عبد العزيز بن معاوية غمزه الحاكم بهذا الحديث وقال هو خبر منكر ورده في المهذب بأن مسلم روى حديثاً بهذا السند انتهى وبه يعرف أن رمز المصنف لضعفه غير صواب وأن حكم ابن الجوزي بوضعه تهور‏.‏

830 - ‏(‏إذا كبر العبد‏)‏ أي قال الله أكبر في الصلاة أو خارجها ‏(‏سترت‏)‏ أي ملأت ‏(‏تكبيرته ما بين السماء والأرض‏)‏ يعني لو كان فضلها وثوابها تجسم لملأ الجو وضاق به الفضاء وقوله ‏(‏من شيء‏)‏ بيان لما قاله الطيبي وغيره هذا تمثيل وتقريب والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تسعه الأوعية وإنما المراد تكثير العدد حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمة جسماً تملأ الأماكن لبلغت من كبرها ما يملأ الجو وفيه فضل التكبير والحث على الإكثار منه‏.‏

- ‏(‏خط عن أبي الدرداء‏)‏ وفيه إسحاق الملطي قال الذهبي كذاب

‏(‏إذا كبر الإمام‏)‏ ‏(‏هذا الحديث غيرموجود بنسخ المتن فتنبه اهـ‏)‏ أي فرغ من تكبير التحريم ‏(‏فكبروا‏)‏ أيها المأمومون ‏(‏وإذا ركع فاركعوا‏)‏ عقبه ‏(‏وإذا سجد فاسجدوا‏)‏ عقبه ‏(‏وإذا رفع رأسه من الركوع فارفعوا وإن صلى جالساً فصلوا جلوساً‏)‏ يعني إذا جلس للتشهد فاجلسوا إذ المتشهد مصل وهو جالس أو المراد إذا جلس الإمام لعذر وافقه المقتدي لئلا يقوم على رأسه وهو قاعد كما يفعل الأعاجم بعضها مع بعض وهذا مندوب أو منسوخ كما ذكره البغوي كالحميدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ما صلى قاعداً والناس خلفه قياماً ودندن ابن القيم على عدم نسخه بما لا ينجع وقوله ‏(‏أجمعون‏)‏ هذا هو في رواية البخاري بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا وفي رواية أجمعين بنصبه على الحال أي جلوساً مجتمعين قال الدماميني أو تأكيداً لجلوساً وكلاهما لا يقول به البصريون لأن ألفاظ التاكيد معارف أو على التأكيد بضمير مقدر منصوب ‏[‏ص 432‏]‏ أي أعنيكم أجمعين وأخذ منه منع قيام الخدم على المخدوم عبودية له لأن القيام على رأس الإمام إذا منع مع أنه قيام لله فغيره أولى‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ ورواه الشيخان بلفظ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين‏.‏

831 - ‏(‏إذا كتب أحدكم كتاباً‏)‏ أي كتاب مراسلة أو مبايعة أو مناكحة أو نحو ذلك واحتمال أن المراد ذلك وغيره حتى الكتب العلمية يبعده تعليله بأنه أنجح لقضاء الحاجة فدل على أن المراد المراسلة ونحوها ‏(‏فليتربه‏)‏ أي فليذر على المكتوب ما يسمى تراباً أو فليسقطه على التراب ندباً إشارة إلى اعتماده على ربه في إيصاله لمقصده أو نحو ذلك وزعم أن المراد فليخاطب المكتوب إليه خطاب تواضع مناف للسياق ‏(‏فإنه أنجح لحاجته‏)‏ أي لقضاء مطلوبه وفي رواية بدل هذا فإن التراب مبارك وقد نظم بعضهم معنى الحديث في قوله‏:‏

كتبت الكتاب وتربته * لعلي بتتريبه أنجح

لقول النبي لأصحابه * ألا تربوا كتبكم تنجحوا

وفيه رد على من كرهه من الكتاب حيث قال‏:‏

لا تشنه بما تذر عليه * فكفاه هبوب هذا الهواء

فكأن الذي تذر عليه * جدري بوجنة الحسناء

قيل‏:‏ وحكمة الترتيب أن التراب مطهر وخلق منه الإنسان وإليه يعود فأمر بتتريبه ليتذكر ذلك‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الاستئذان من حديث حمزة عن أبي الزبير ‏(‏عن جابر‏)‏ وقال حديث منكر وحمزة هو ابن عمرو النصيبي متروك انتهى فعزو المصنف الحديث لمخرجه وحذفه ما تعقبه به من القادح غير صواب وقد جرى على سنن الصواب في الدرر فقال عقب تخريجه منكر وأفاد الزركشي أن أحمد رواه وقال أيضاً منكر وقال المصنف ورواه الديلمي وابن عدي وابن عساكر بألفاظ متقاربة وأسانيدها ضعيفة‏.‏

832 - ‏(‏إذا كتب أحدكم إلى أحد‏)‏ من الناس كتاباً ‏(‏فليبدأ‏)‏ فيه ندباً ‏(‏بنفسه‏)‏ أي يذكر اسمه مقدماً على اسم المكتوب له نحو من فلان إلى فلان وإن كان مهيناً حقيراً والمكتوب إليه فخماً كبيراً فلا يجري على سنن العجم حيث يبدأون بأسماء أكابرهم في المكاتيب ويرون أن ذلك من الأدب وإنما الأدب ما أمر به الشارع نعم إن خاف وقوع محذور بمحترم إن بدأ بنفسه بالمكتوب إليه بدليل ما رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن نافع كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فأراد أن يبدأ بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله إلى معاوية وفيه أيضاً عنه أنه كتب إلى عبد الملك ليبايعه لعبد الملك أمير المؤمنين من ابن عمر سلام عليك‏.‏

- ‏(‏طب عن النعمان بن بشير‏)‏ وفيه مجهول وضعيف‏.‏

833 - ‏(‏إذا كتب أحدكم إلى إنسان كتاباً‏)‏ أي أراد أن يكتب له ‏(‏فليبدأ‏)‏ فيه ‏(‏بنفسه‏)‏ ثم بالمكتوب إليه لأنه من التواضع إذا العادة جرت بتقديم التابع على متبوعه في المشي فكذا في الذكر ‏(‏وإذا كتب‏)‏ أي أتم الكتابة ‏(‏فليترب‏)‏ كتابه ‏(‏فهو‏)‏ أي التتريب ‏(‏أنجح‏)‏ لحاجته أي أيسر وأحمد لقضائها‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي الدرداء‏)‏ وفيه سليمان بن سلمة الجبائري متروك ذكره الهيتمي‏.‏ وقال السخاوي‏:‏ أحاديث التتريب كلها ضعيفة‏.‏

‏[‏ص 433‏]‏ 834 - ‏(‏إذا كتب أحدكم بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ أي أراد كتابتها ‏(‏فليمد‏)‏ حروف ‏(‏الرحمن‏)‏ بأن يبعد بين الميم والنون ويحقق الميم إشارة إلى أن بينهما محل الألف اللفظية وحذفها من الخط اتباعي ويجوف النون ويتأنق في ذلك فإنه سبب للمغفرة كما في خبر، تأنق أي تجود‏.‏ وبالغ رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له، وفي خبر الديلمي عن أنس رفعه إذا كتبتم كتاباً فجودوا بسم الله الرحمن الرحيم تقضى لكم الحوائج وفيه رضا الله انتهى وفيه عويد متروك وهذا إشارة إلى أن ما اصطلح من مشتق الخط في المكاتبات غير مستقبح في كتابة شيء من الكتاب والسنة وكذا العلوم الشرعية فإن القصد بها معرفة صنيع الألفاظ وكيفية مخارجها وإظهار حروفها وضبطها بالشكل والإعجام ومن ثم قالوا إعجام الخط يمنع من استعجامه وكله يؤمن من استشكاله وقالوا رب علم تعجم فصوله فاستعجم محصوله والكتاب أهملوا ذلك إشارة إلى أنهم لفرط إدلائهم بالصنعة وتقديمهم في الكتابة يكتفون بالإشارة ويقتصرون على التلويح ويتجه عدم جواز ذلك في القرآن‏.‏